وليد الشوبكي
-الفرق بين "نول" و"ويكيبيديا"
-النولات.. وقود جديد
-تجريب مستمر لإنتاج المعرفة
بخدمتها الجديدة "نول" (Knol) تدخل "غوغل" غمار المنافسة ضد الموسوعة الإنترنتية "ويكيبيديا" وتثير المخاوف مجددا لدى منافسيها وشركائها حول توغلها في كل ما يتعلق بالمعلومات إنشاء وحفظا واسترجاعا.
أتاحت غوغل أواخر يوليو/تموز الماضي خدمة نول لجموع المستخدمين بعدما كانت محصورة منذ أواخر 2007 على عدد محدود من المستخدمين دعتهم الشركة لاختبار آخر إصداراتها.
وتُعرّف غوغل نول بأنها وحدة المعرفة (من اللفظة الإنجليزية knowledge)، وهي أيضا اسم المشروع الذي يهدف إلى إنتاج المعرفة، ويماثل في بعض أوجهه الموسوعة الإنترنتية "ويكيبيديا".
" ثمة فارق جوهري بين نول وويكيبيديا، يتمثل في أن الأولى تركز على أهمية حق المؤلف في الظهور والسيطرة على ما يكتب " |
الفرق بين نول وويكيبيديا
ولكن ثمة فارقا جوهريا بين نول وويكيبيديا، يتمثل في تركيز الأولى على أهمية "حق المؤلف".
صحيح أن كلا من نول وويكيبيديا تدعو الأفراد للمشاركة بما يعرفون بكتابة مقالات في الموسوعتين. ولكن نول تظهر اسم المؤلف وتمنحه السيطرة على ما يكتب، فلا يمكن تعديل مقاله إلا برغبته. ويختلف هذا عن ويكيبيديا التي يستطيع أي زائر للموقع أن يعدل ما شاء من صفحاتها.
كما أن نول تتيح للمؤلفين أن يختاروا أن تظهر إعلانات غوغل النصية بجوار مقالاتهم (تُسمى نولات knols)، ومن ثم يحصلون على قسط من عوائد تلك الإعلانات (بالشراكة مع غوغل).
وتشجع غوغل المستخدمين على ذكر مؤهلاتهم وشهاداتهم التي تجعلهم أهلاً للكتابة عن موضوعات بعينها.
ومن ثم تجد مثلا أستاذا بكلية طب جامعة كاليفورنيا يكتب عن كسر الفك. وكان هناك أيضا مؤلفون يكتبون بغير تبيان مؤهلاتهم، كما فعل أحدهم الذي دبج مقالا عن أصل النظام الشمسي.
ويبدو أن ثمة فكرتين مركزيتين خلف مشروع نول: الأولى أن "هناك الكثير من المعرفة التي لم تُدوّن بعد، أو إن كانت دُونت فليس ممكنا الوصول إليها"، حسب ما قال رئيس مشروع نول سدرِك دوبون على المدونة الرسمية لغوغل.
ولا تكاد تحتاج هذه الملاحظة لتفسير أكثر، وتكفي الإشارة إلى النجاح الهائل لموسوعة ويكيبيديا التي تضاف إليها آلاف الصفحات يوميا (سواء اتفقنا أو اختلفنا على جودة ما تحويه تلك الصفحات).
ويقول دوبون إنه ورفاقه في غوغل لاحظوا أن جل المعرفة الإنسانية المتوفرة لا يزال محفوظا في الرؤوس، وليس متاحا للجميع.
والمقصود أن المعرفة طالما ظلت مغلقة في الرؤس فإن محرك بحث غوغل لا يستطيع تصنيفها وإدراجها في نتائج البحث، ومن ثم كانت نول التي تهدف إلى اجتذاب المعارف خارج ضيق الجماجم، وإلى رَحَب متصفحات الإنترنت.
والفكرة المركزية الثانية خلف نول أن الموسوعة الجديدة تسعى لإنجاز ما أنجزته ويكيبيديا، ولكن مع الحذر من نقائصها.
ولعل "كعب أخيل" في الموسوعة الإنترنتية عدم القدرة على التوثق من محتواها، لأنها لا تُظهر اسم مؤلفي مقالاتها ولا مؤهلاتهم.
أما نول فتُميل الميزان مجددا لصالح المؤلف، فهي تدعو الأفراد للكتابة عما يعرفون. ورغم أنها تتيح التأليف الجماعي والتعليق والتعديل، فإن كل ذلك يتم بقرار من المؤلف.
ونتيجة ذلك نظريا -إذ لا يزال المشروع في مهده- أن نول ستتحاشى أزمة المصداقية التي لازمت ويكيبيديا منذ البداية.
صحيح أن دراسة من مجلة "نيتشر" العلمية قالت أواخر العام 2005 إن 85% من مقالات ويكيبيديا تكافئ في دقتها مقالات موسوعة المعارف البريطانية الشهيرة (Encyclopedia). لكن ذلك لم يغير الانطباع الشائع بأن محتوى الموسوعة الإنترنتية غير دقيق في أغلبه، أو في أحسن الأحوال لا يمكن التحقق من صحته.
" زيادة حجم شبكة الإنترنت وما يتوافر عليها من معارف، يصب في المحصلة في مصلحة محركات البحث وفي مقدمتها غوغل " |
النولات.. وقود جديد
وقد أثار مشروع غوغل الجديد أسئلة عديدة، لعل أهمها "لماذا تقدم غوغل على إنشاء موسوعة إنترنتية، فتتحول من وسيلة لتصنيف واسترجاع المعلومات عبر محركها البحثي إلى مقدم للمعرفة؟".
وثمة إجابة مبدئية بأن زيادة حجم شبكة الإنترنت وما يتوافر عليها من معارف، يصب في المحصلة في مصلحة محركات البحث وفي مقدمتها غوغل.
فالمزيد من الصفحات التي تحوي معلومات قيمة يعني المزيد من نتائج البحث، ومن ثمّ المزيد من الإعلانات التي تقدمها محركات البحث مع صفحات النتائج. ثم إن غوغل ستضيف إعلانات لمقالات (أو نولات) الموسوعة الجديدة.
ولكن يبدو أن تلك الإجابة لم تبدد قلق المقدمين التقليديين للمحتوى المعلوماتي، فقد ذكرت رئيسة موقع إلكتروني لوصفات الطعام لصحيفة "نيويورك تايمز" يوم 10 أغسطس/آب الجاري أن الخدمة الجديدة تمثل تعارضا في المصالح، إذ إنها تجتذب القراء إلى منافسين لشركاء غوغل.
فقد بنت غوغل شبكة واسعة من الشراكات مع مقدمي المحتوى المعلوماتي كمواقع الصحف والمواقع الإخبارية والمواقع المتخصصة للشركات والأفراد.
وكانت شركة محرك البحث الشهير تقدم الإعلانات عبر هذه المواقع وتقتسم عوائدها مع شركائها. الآن ومع إنشاء موسوعة نول، تقدم غوغل بديلا للمحتوى المعلوماتي ينافس شركاءها التقليديين.
ولم يكن ما بدا تعارضا في المصالح السبب الوحيد للقلق، فقد حذر البعض من أن تنال مقالات (أو نولات) الموسوعة الجديدة معاملة تفضيلية على محرك البحث غوغل.
وقد أكدت غوغل مرارا أن محركها البحثي يتعامل مع صفحات نول كما يتعامل مع باقي صفحات الإنترنت. ولكن دان سَليفان من موقع SearchEngineWatch.com المتخصص في متابعة محركات البحث، أشار إلى أن برمجية محرك البحث لدى غوغل ربما لا تمنح ميزة لموسوعة نول.
غير أن مجرد استضافة الموسوعة على نطاق google.com فعنوانها knol.google.com يعطيها مصداقية لدى محركات البحث لا تتوفر بالمواقع البادئة حديثا.
وهذا في رأي سليفان يسهم في تقدم صفحات نول في نتائج محركات البحث بدرجة لم تكن ممكنة لو كان عنوانها knol.com.
" نول أسلوب تجريبي جديد لإنتاج المعرفة يسعى لتحاشي نقاط ضعف الأساليب السابقة عليه، ولكنه لا يخلو من مثالب " |
تجريب مستمر لإنتاج المعرفة
من المبكر الحكم بأن نول ستصرف عن غوغل شركاءها، ولكن الواضح أنها أسلوب تجريبي جديد لإنتاج المعرفة يسعى لتحاشي نقاط ضعف الأساليب السابقة عليه، ولكنه لا يخلو من مثالب.
بالأساس، تسعى موسوعة نول كسابقتها ويكيبيديا للاستفادة من المعرفة أو الذكاء الجمعي لجموع مستخدمي الإنترنت. ولكن غوغل -كدأبها- تستخدم الحافز المالي لاجتذاب المؤلفين لمقالات موسوعتها. ويتسق هذا المنحى مع خط غوغل الذي اتبعته منذ قدمت برنامجها للإعلانات "آد سنس" (AdSense).
في هذا البرنامج يستطيع أي مقدم للمحتوى المعلوماتي -سواء أكان ذلك مدونة شخصية أو موقع صحيفة سيارة- المشاركة فيه، فتضع غوغل إعلانات زبائنها من الشركات الكبيرة على تلك المواقع، وتقتسم العوائد مع المواقع التي تستضيف تلك الإعلانات.
الآن تتبع غوغل الأسلوب ذاته ولكن في ميدان جديد، فكلما اجتذبت "نولة" أو مقالة على نول زوارا كثرا وروابط من مواقع أخرى، كلما ارتفع تقييمها لدى محركات البحث فتأتي في صدارة النتائج، ما يرشحها للمزيد من الإعلانات.
وتشبه خطوة تحول الموسوعات الإنترنتية من حقبة العمل التطوعي إلى حقبة الحافز المالي، قصة تطور البرمجيات الحرة والمفتوحة.
ففي البدء في أواسط الثمانينيات الماضية، كانت مشروعات البرمجيات المفتوحة تقوم على مساهمات تطوعية من مبرمجين يتعاونون ويتبادلون ويحسنون الشيفرة البرمجية.
ومن أشهر منتجات تلك الحقبة نظام تشغيل "لينِكس" (Linux) الذي ينافس نظيره "ويندوز" الذي لا يمكن تحوير شيفرته أو الاطلاع عليها.
ولكن بدءا من أواسط التسعينيات، أخذت بعض الشركات مثل "آي.بي.أم" و"ردهات" تقدم حافزا للمبرمجين ليواصلوا نشاطهم "التطوعي" ولكن بمقابل مادي.
وفي رأي كثيرين، أفاد هذا التحول حركة البرمجيات الحرة وساعد على توسيع نطاق برمجياتها وفتح لها أسواقا جديدة.
بيد أن الحافز المادي في ميدان الموسوعات الإنترنتية قد يؤتي أثرا مختلفا.
فدافع الربحية -عبر الإعلانات المصاحبة للمقالات- قد يجعل المؤلفين أقل رغبة في إضافة روابط لمصادر خارجية كما يحدث على ويكيبيديا، فيُقصرون الروابط الخارجية (hyperlinks) والمصادر على مقالات من تأليفهم سعيا لترويج مقالاتهم وزيادة مردودها الإعلاني، وهذا قد يؤثر سلبا على جودة و"موسوعية" المقالات.
ومن أوجه الاختلاف أيضا في موسوعة نول مفهومها حول تراكم المعرفة، ففي ويكيبيديا يحدث التراكم المعرفي في المقال الواحد عبر مشاركات وتعديلات عشرات أو مئات أو ربما آلاف المستخدمين، فيشبه الأمر تعاقب أجيال من الفنانين على تحسين تمثال واحد. أما في نول فالتراكم يحدث عبر إتاحة رؤى متعددة للموضوع الواحد بحسب كل مؤلف، وكأنما كل نحات يضع رؤيته في تمثاله الخاص.
" من أوجه الاختلاف بين نول وويكيبيديا مفهومها عن تراكم المعرفة، ففي ويكيبيديا يحدث التراكم المعرفي في المقال الواحد في حين يحدث في نول عبر إتاحة رؤى متعددة للموضوع الواحد " |
وينطلق هذا من تأكيد غوغل على حق المؤلف اتباعا للتقليد المعروف في النشر الأكاديمي. فبدلا من نسخة واحدة متجددة "للحقيقة" على ويكيبيديا، ستتوافر نسخ عديدة على نول.
وإذ يختلف الأسلوب تختلف النتائج، فبعد مضي عام من انطلاق نول ستتعدد المقالات حول الموضوع الواحد، خاصة ما يثير منها الجدل أكثر من غيره.
فمثلا، لو بحثت عن موضوع "استنساخ" فربما تجد عشرات النولات التي تتناول التقنية الطبية من أوجه مختلفة وربما متعارضة: الديني والأخلاقي والعلمي والطبي والاقتصادي وغيرها. أما على ويكيبيديا فستظلل هناك دوما مقالة واحدة.
وربما تكون نول أقرب إلى طبيعة تراكم المعرفة الإنسانية عموما، ففي دراسة العلوم مثلا، من المهم أن يتعرف المرء على نظريات نيوتن حتى لو ثبت أن نظريات آينشتاين أصح منها وأدق.
فالجديد في المعرفة الإنسانية لا يلغي القديم وإنما يزيحه قليلا ليتبوأ الصدارة بديلا عنه ولو إلى حين. ويختلف هذا عن طريقة عمل ويكيبيديا التي يستطيع أي زائر عابر أن يمحو بنقرة زر واحد جهد أجيال عديدة ممن سبقوه.
_____________
كاتب مصري
0 Comments:
Post a Comment
<< Home